فتور العنصر المدني: وقفة عند التنظير النيو-كلاسيكي للدولة-الأمة العربية الحديثة
التدقيقُ في الخطاب العربي المعاصر حول موقع الدولة-الأمة العربية الحديثة ووظائفها يكشف عن فتورٍ مقلق للعنصر المدني، خاصة عند أولئك الذين يطلقون على أنفسهم صفات تعتريها الشبهات وينقصها التعريفُ المُحكَم، من قبيل "محلل سياسي" و"خبير اقتصادي" و"خبير في الشؤون الإستراتيجية." بل أزعم أنه حتى في الأدبيات الأكاديمية البحثية، قديمها وحديثها، يمكن لحظ هذا الفتور. فما مردّه إذا؟ وما مؤدّاه العملي إذا ما تمت المغالاة فيه؟ الإجابة عن هذه الأسئلة تستوجب تفنيدا للغلبة الميكانيكية للمنطق النيو-كلاسيكي على الأسس والآليات المُتَّبعة في التنظير. غالبا ما تُعرَّف النيو-كلاسيكية (neoclassical theory) في مجال علم الإجتماع السياسي بوصفها مدرسة فكرية واقعية تدين ببراديغم بنيوي-تركيبي يحيل الدولة-الأمة برمتها إلى ظاهرة انتظام هرمي (hierarchical). فعلى سبيل المثال، يحاجج فيبر (1946)، أحد أهم روّاد علم الإجتماع السياسي في القرن العشرين، بأن الدولة-الأمة الحديثة تتكون من ثلاثة عناصر: الأرض (أو الرقعة الجغرافية ذات الحدود المرسومة والمعترف بها دوليا)، الشعب (أو الكتلة البشرية المتوحدة...