المشاركات

المسيحية السياسية: مقدمة موجزة لمبحث لا بد منه

صورة
الكتابات حول ما يصطلح عليه نظريا بالإسلاموية أو التطبيقات الإشكالية للحركية الإسلامية السياسية تكاد لا تعد ولا تحصى. كل يوم، ومع كل فاجعة جديدة، يطلع علينا من يتوسل عن حق أو باطل (كل حسب نيته) استقراء واقع الأمة الإسلامية، لا لإفادتها وإعانتها على النهوض، بل لتعييرها بما وصلت إليه من "انحطاط وهزيمة" مفترضتين وتحميلها مسؤوليات جسام، لا ناقة ولا جمل لها فيها، فيما يسمى بحوار الحضارات. وكأن الكون كله يدور حول المسلمين والإسلام والإسلام السياسي!  بئس الإختزاليات النظرية. بئس قبحها وجرأتها على الناس. أليس من المعيب فكريا وأخلاقيا مجافاة العلوم الإنسانية والإجتماعية المطلوبة لفهم واقعنا والإستعاضة عنها بخطابات كراهية جوفاء ودعوات فردية وجماعية لوضع المسلمين (من أقصى إندونيسيا إلى آخر ولاية في كندا) في قفص الإتهام؟ أين ذهبت البنى والتراكيب الإجتماعية؟ هل من مجيب يعيد الرشاد إلى نقاشات الإسلام السياسي، تعديلا وتصويبا ونقلا للجدل المستمر من دائرة سؤال المسؤوليات الفردية والجماعية إلى دائرة سؤال البنى المجتمعية والتراكيب الثقافية والتلاقح المفاهيمي بين الجغرافي والسياسي؟ وعلى قاعدة أن ...

دلالات فوز جو بايدن

صورة
  تسمرت على الشاشة طوال خمسة أيام وأنا أتابع مشهدية الإنتخابات الرئاسية الأميركية. كالعادة، أسرتني تعقيدات النظام الإنتخابي الأميركي الذي يمثل شاهدا كل أربع سنوات على عبقرية الآباء المؤسسين. تفصيلاته جمة ويسهل الغرق فيها. ولكن حمدت الله على وجود خبراء عرب وأجانب كثر يتقنون تحويل ما يستعصي على الفهم إلى سهل ممتنع. ومع فوز جو بايدن، السياسي التقليدي، بدأت تقديرات الموقف والقراءات الإستشرافية لمعاني فوزه ومآلاته تظهر تباعا. فالراحة على المفكر، خاصة في منطقتنا العربية المشتعلة بالأزمات من كل حدب وصوب، حرام. إليكم خمس ملاحظات أولية سريعة، هي بعض يسير مما في جعبتي، على هذا الحدث الزلزال بحق:  ١. الحكم والحوكمة لا ينبنيان على الخيارات السياسية والسياسات العامة فحسب، إذ إن شخصية السياسي باشتداداتها الأيديولوجية وامتداداتها الإنسانية مهمة ومقررة للغاية. مثله العليا والتزاماته ومبادئه الأخلاقية لا تزال كلها تصلح لتشكيل معايير انتخابية. الناخب الأميركي بهذا المعنى كان مخيرا بين شخصيتين وليس نهجين سياسيين واقتصاديين فقط. ٢. يقال إن بايدن فاز لأن الناس اشتاقت لما هو "عادي" بعد أن خبرت ...

نحو سوسيولوجيا المسلم في أوروبا

صورة
  كلما توترت العلاقة بين الرأي العام الإسلامي والخطاب الغربي الليبرالي أحاول قدر الإمكان الإبتعاد عن صخب الظاهر. لذلك، ما يحدث اليوم على ضفتي ردود الفعل على جريمة قتل المدرس الفرنسي الذي عرض صورا كاريكاتيرية تطعن في شخص الرسول الأكرم لا يعنيني البتة. المسألة عندي أعقد بكثير.    لأفهم أكثر، ألجأ إلى السوسيولوجيا. وكم نحن اليوم، في الغرب كما في الشرق، بحاجة إلى سوسيولوجيا قادرة على تأطير وتفصيل العلاقة بين الإسلام المعاصر، بغنى تراثه وتعددية جماعاته وسياقاته، وبين الغرب المعاصر، على مقادير الغنى والتعددية ذاتها. إن وجدت، باستطاعة هكذا سوسيولوجيا أن تؤسس لنظريات أو أقله عدات شغل تنظيرية تتيح لنا الإسهام أكثر، بطرق علمية، في تشخيص واقع الصلة أو العلاقة اليوم بين هذين العالمين الكبيرين. ما ينقصنا باختصار هو سوسيولوجيا المسلم في أوروبا.  أقول "المسلم" وليس "المواطن المسلم" لأن ليس كل المسلمين المتواجدين في أوروبا والغرب عموما مواطنين بالمعنى القانوني للكلمة. فبالإضافة إلى المهاجرين والمبعدين وطالبي اللجوء، هناك من يرتحل إلى الدول الأوروبية طلبا للعلم أو الوظيفة أو الس...

السابع عشر من تشرين وطوبولوجيا السرديات اللبنانية

صورة
  تتعدد التشخيصات التي يسقطها المتابعون على ما حدث في لبنان في السابع عشر من تشرين الأول عام ٢٠١٩. ما هي بعض الأمثلة على سرديات الحدث المتداولة؟ كيف يمكن تقسيمها وترتيبها طوبولوجيا؟ وهل من قاسم مشترك بينها؟   البعض وصف الحدث بالحراك المطلبي. البعض الآخر وصفه بالإنتفاضة (نسبة إلى الإشتباكات المباشرة بالأسلحة البيضاء مع القوى النظامية الأمنية). البعض الثالث، تحديدا في صفوف المهنيين والناشطين المدنيين ذوي الخلفيات الأكاديمية، حاول استقراء معاني ومآلات المشهديات الجامعة (العابرة للأديان والمذاهب) التي أفرزتها فصول الحدث المتنوعة (من ١٧ تشرين إلى ٤ آب) ليخرج بتأطيرات نظرية أولية، من قبيل إحالة الحدث برمته إلى "ثورة إصلاحية" أو "ثورة ثقافية" أو حتى تجليات بدائية، يلزمها الكثير من الصقل، لثورة "ديمقراطية اجتماعية" تعيد رسم شبكة القوى والمصالح والعلاقات الناظمة لميدان العمل السياسي بالدرجة الأولى، ومن ثم، بالدرجة الثانية، المجتمع ككل وميادين العمل (الإمتهان والممارسة والتمرس) بمفهومه الواسع.  أما البعض الرابع، فقد اعتمد هؤلاء خطابا نقديا لا يرحم. وانقسموا بين فريق...

لبنان وجهنم الحرب الأهلية المؤجلة

صورة
  "لبنان  ذاهب إلى جهنم." هكذا قال رئيس الجمهورية ميشال عون في معرض رده على سؤال "لوين رايحين؟" وهو السؤال الذي بات يقض مضاجع اللبنانيين، أقله منذ اندلاع حراك السابع عشر من تشرين الأول عام ٢٠١٩. ولكن، كما في كل شأن، يختلف اللبنانيون أيما اختلاف في تشخيصهم للواقع. حتى هذه "الجهنم" التي لم نكن بحاجة إلى خطاب استسلامي من رأس السلطات الدستورية في البلاد ليذكرنا بها، إذ إنها لم تفارقنا يوما، (حتى هذه) نتنازع على كيفية تحليلها.  فالبعض يرى أن الفراغ الحكومي سيكون جهنما (جهنم سياسية). والبعض يرى أن الأزمة المعيشية التي ستتفاقم حتما مع نفاذ احتياطي المصرف المركزي ورفع الدعم عن المواد والسلع الأساسية في الأشهر المقبلة هي جهنم (جهنم سوسيو-اقتصادية، إن جاز التعبير). والبعض الثالث الذي ما فتئ يصدع رؤوسنا بالمعادلات الجيو-استراتيجية يرى في خارطة التفاهمات الإقليمية التي ستفرزها نتائج الإنتخابات الأميركية المقبلة جهنما موصوفة (جهنم كيانية). لكل جهنمه، ولكل جهنم منظرون ومنذرون.  ولكن المستغرب في هذه المعمعة هو استبعاد "جهنم" بمعانيها الحرفية المباشرة، أي جهنم ا...

الدولة اللبنانية.. خواطر في زمن المئوية والإنهيار

صورة
طالعتنا مؤخرا جريدة "النهار" اللبنانية بملحق جديد تحت عنوان "إنهيار." العنوان مثير بقدر ما هو طبيعاني، أي يعمد إلى تصوير الواقع موضوعيا، كما هو. إثارته لا تكمن في قدرته على تكثيف معاني التراجيديا الوطنية في كلمة واحدة فحسب، بل تتعدى ذلك إلى كونه إثارة أستفزازية للعقل العلمي الشغوف بالبحث عن الحقائق. فالتفكير في الإنهيار يحيل إلى أنطولوجيا الإنهيار، إلى أسئلة التكوين والتطور. من هذه الأسئلة: كيف تقوم وتنهار الدول؟ إن الأدبيات البحثية العلمية المتوفرة للإجابة عن هذا السؤال المحوري في حقلي العلوم السياسية والعلوم الإجتماعية والإنسانية تكاد لا تعد ولا تحصى. لذلك، ليس هدفي في هذه العجالة تقديم سردية خلاصات بحثية حول نشأة الدول والتحديات التي تواجهها. بل إن هدفي ينحصر في تقديم إضاءتين أوليتين على نظرية الدولة، يمكن البناء عليها لتخريج إطارات مفهومية لمباحث مستقبلية. الإضاءتان مستلهمتان بالأساس من كتاب صدر عام ٢٠١٦ للعالم السياسي البريطاني بوب جيسب بعنوان: "الدولة: الماضي، الحاضر والمستقبل." سأسوقهما أدناه باقتضاب، مستشهدا لغرض التدليل بواقع الدولة اللبنانية المن...

مقدمة سوسيولوجية لفهم المجتمع المدني اللبناني الحديث

صورة
أزمة اقتصادية ومالية خانقة، معطوفة على ثورة إصلاحية شبابية (أو ثقافية، كما يصفها المفكر عزمي بشارة) ومصيبة إنفجار مرفأ بيروت في الرابع من آب الجاري، ثالث أقوى انفجار في التاريخ الحديث بحسب مراكز أبحاث متخصصة، كل ذلك يضع ما يسمى بالمجتمع المدني اللبناني أمام تحديات جلل.  الأكيد اليوم هو أن الأحزاب الست الكبرى الممسكة بالسلطة والقرار السياسي ومفاصل إدارة الدولة الغائبة المغيبة قد حسمت أمرها منذ لحظة مغادرة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لبنان. فهي، كما بات معلوما لدى مراقبين محليين، تؤثر المماطلة والتأجيل في تشكيل "حكومة المهمة" العتيدة، كما سماها الفرنسيون، ريثما تتضح نتيجة الإنتخابات الأميركية المقبلة. رهانها هو أن تغييرا ما، دراماتيكيا أو براغماتيا، قد يطرأ على سياسة الولايات المتحدة الخارجية ("الضغط الأقصى" على إيران) والإصطفافات الجيو-سياسية والجيو-اقتصادية المرافقة لها. لذلك، قوى السلطة، وعلى رأسها حزب الله، غير مستعجلة. لا اعترافات بالإخفاق، لا جدية في التحقيق في جريمة الإهمال المتعمد في مرفأ بيروت، لا مراجعات للطرق الرجعية التي قوربت من خلالها الملفات الداخلية...